رحمك الله يا زهرتنا..

الخميس، نوفمبر ٠٢، ٢٠٠٦

إنفصام الشخصية ....أزمة أمة

حينما نجلس سويا نتحدث عن أرائنا و وجهات نظرنا التي نتبنها في شتي المواقف المحيطة بنا نجد اختلافا بين كل منا و هذا الاختلاف نابع من اختلاف النموذج الإدراكي الذي يطل كل منا من خلاله علي ما يدور حوله من أحداث و مواقف سواء كانت أمور شخصية في إطارها الفردي و الأسري و في الدوائر المحيطة أو ما يدور علي المستوى العام و هذا الاختلاف اختلافا صحيا و ليس هو المقصود بانفصام الشخصية و لكن بعد أن نجلس و أن نتحدث أين يذهب هذا الكلام أين يذهب ما قلنا حينما تترجم أقولنا إلي أفعال (لا شئ ) فهؤلاء الذين يتكلمون هم غير أولائك الذين يفعلون و يتفاعلون مع المجتمع و هنا نجد انفصام في الشخصية بين ما نعتقد في صوابه و بين ما نفعله من سلوك منافي لما اعتقدنا و عندئذ تكمن المصيبة التي نعيشها و التي في حقيقة الأمر هي مصيبة الأمة الكبرى .فلننظر مثلا إلي من ينظرون من خلال النموذج الديني للإدراك و يضعون أنفسهم في مصاف المتدينين الملتزمين و إنهم يحكمون علي الأمور من خلال هذا النموذج الإدراكي الذي من المفترض هو سبيل الحكم عندهم علي كل شئ نجدهم في تصرفاتهم أكثر ما يكونوا بعدا عن ما يعتقدونه صوابا و أنا أتحدث عما يعتقدونه صوابا و ليس ما لا يعرفون صوابه من خطأه أو في خطاء ما يعتقدونه هم صوابا و لكني أتحدث عن ما يعتقدونه صوابا و لا يفعلونه و ما يعتقدونه خطأ و يفعلونه و بالقياس فإن هذه الآفة لا يخلوا منها احد فكذلك من يدعون الليبرالية أو أولائك الذين يدعون العلمانية أو حتى هؤلاء الذين ينظرون من نموذج الأعراف و التقاليد.
فالأصل هو أن تكون حياة الإنسان في صغيرها و كبيرها في شتي التصرفات بداية من أسلوب المشي في الشارع إلي اتخاذ القرارات الهامة في الحياة تتبع لنموذج واحد يحتزيه الإنسان و لكن أن يكون هذا النموذج مطاطا لا معالم له فعند الكلام شئ و عند الحكم علي الآخرين شئ أخر و عند الفعل شئ ثالث بل يختلف من فعل لأخر تبعا لمحرك أخر أكبر و أشد تأثيرا هو التبعية للهوى الداخلي للرغبات الحيوانية من حب البقاء و التكاثر و الشبع أو بعض الرغبات الإنسانية التي لا تختلف كثيرا عن تلك الرغبات الحيوانية كحب الظهور و الشهرة و السلطة .
فبدلا من أن يدخل الإنسان تحت نطاق الفكرة فيعيشها و يجسدها في حركاته و سكناته فإنه يوظفها و يستخدمها سواء كان يدري أو لا يدري . و تتنوع مظاهر هذا الانفصام و تبدوا جلية في مجتمع يعيش أكثر من ثلثيه علي أحسن تقدير تحت خط الفقر و يحمل 16 مليون نسمة من نفس المجتمع تليفون المحمول إيابا و ذهابا و ليس فقط بل من أحدث الموديلات و بتكلفة شهرية علي الحد الأدنى 35 جنية كل شهر للخط ثم نجدهم يتحدثون عن الفقر و الغلاء إذا فنحن أمام شيزوفرينيا سلوك لا يطابق واقع و ظروف و لربما كانت (الفشخرة) أحد دواعي و محركات هذا الأسلوب فالمشكلة لا تكمن في كونها تابعة للنموذج الإدراكي الذي يتبناه صاحبه و لكنها تابعة لنموذج إدراكي أخر خفي داخل كل إنسان فهو يعلم في قرارة نفسه خطاء الفعل في نموذجه الإدراكي المتبني و لكنه في حقيقة نفسه يفعله لأنه ينتمي إلي نموذج إدراكي أخر يحركه و تري هذا الرفض لنفس الفعل حينما يقوم به أخر تجده يوجه له الانتقادات اللاذعة بسخرية و يقول (أقرع و نزهي)! .
و حينما تسألت لماذا اختفت رموز الأمة في العصر الحالي علي الرغم من أنه على مر العصور كان هناك الرمز الديني و الرمز السياسي و الاجتماعي الذي يلتف حوله الناس وجدت الأجابه هو عدم وجود هؤلاء الصادقين المخلصين الذين يتحركون بكلياتهم في التصرفات و الأفعال في تبني فكرة و الدفاع عنها و تمثلها في الصغير و الكبير و من نماذج هؤلاء من الرموز الواهية الصحفي اللامع من أطياف المعارضة و الذي يوزع في جريدته أعدادا كبيرة يجلس في مكتبه المكيف بوسط البلد ليتحدث عن هموم أاكلي الزبالة و أطفال الشوارع و حتى في المظاهرة تجده يأتي يتحدث تصفق له العامة ينصرف تحميه رجالات الأمن و تحييه ليعود إلي بيته لينعم بطعام وافر و وسائد وثيرة يقلب شاشات الفضائيات ليبحث عن الحلقة التي سجلها لهذا البرنامج أو تلك القناة و غيره على شاكلته كثير ليقوموا بدور هزلي في المسرحة الكبري لكن ان يناضل أحدهم و يهب نفسه لنضاله و لفكرته و لنموذجه الذي يعتنقه فإنه المستحيل و لذا غابت الثقة و لم يعد عوام الناس يصدقون أحدا فالكل له غرض أخر غير الذي يعلن سواء كان بعلمه الواعي أو الاواعي و لكن أن نجد عمر بن خطاب أخر أو نجد غاندي أخر أو حتى هتلر أخر فلن نجدهم فكل هؤلاء كانوا يحملون الفكرة فوق رؤوسهم تحركهم و تلهمهم في كافة تصرفاتهم أم اليوم فهؤلاء يضعون الفكرة تحت أقدامهم يطوعنها كيف شاءوا لخدمة رغبات و دوافع أخرى فيخدع الإنسان نفسه ليوهمها بأنه في الجانب الصحيح و أنه ادي ما عليه بينما هو بفعلته هذة يقف في طريق هذة الأمة و لا يخلوا الأمر أحيانا من بعض المضحين من الذين خدعتهم تلك الصفوة البراقه الزائف بريقها فيداسوا هم بالنعال و ليكملوا الجزء الباقي من المسرحية الهزلية دون أن يدروا
أعتقد أنه أن الأوان لنا جميعا من أن نبدأ من جديد لنعرف حقيقة ما نحن عليه لنواجه أنفسنا بحقيقتها و أن لا نستتر وراء أوهامنا لكي نستطيع فعلا أن نتغير و حينما نتغير يجب أن يكون تغيرنا جزريا كاملا نتحرك فيه بكلياتنا عندئذ و عندئذ فقط نستطيع أن نعود إل ما كنا عليه يوما ما

ليست هناك تعليقات: