رحمك الله يا زهرتنا..

السبت، نوفمبر ١٨، ٢٠٠٦

صرخة فراق

حسام أخر


مع صباح يوم جديد -كعادتها- ترسل الشمس أشعتها المشرقة لتطل الهوينى علي منزل قديم صغير الحجم.. تفتح نوافذه و تعلن بدء يوم آخر
و بمجرد أن تتسلل أشعة الشمس من نافذة غرفة حسام حتى يفضحها اللمعان الذهبي المنعكس علي خيوط العنكبوت التي تعلوا إحدى زوايا النافذة
و في نفس اللحظة يأتي صوت متعب أنهكته الحياة لينادي بخيبة أمل يعلوها بعض الضجر
- "حسام ...حسام... استيقظ يا ولدي.. ستتأخر عن الحصة الأولي كعادتك... حسام ... لم أعد أحتمل أكثر من هذا فكل يوم نفس المأساة."
يدس حسام رأسه في وسادته متصنعا النوم ,متمنيا أن تلتهي عنه والدته في شأن من شؤون المنزل.. ولكنه ما إن يسمع وقع خطواتها تقترب من غرفته حتى يقوم من علي فراشه مسرعا ;فلازالت أثار عقاب والدته علي قدميه بسبب تأخره عن المدرسة تؤلمه منذ اليوم السابق
تفتح الأم الباب فتجده أمامها.. و قد تدلت رجلاه الصغيرتان من أحد جوانب الفراش.. تحني الأم رأسها في حنو وتبتسم ابتسامة الشعور بالذنب ;فلقد علمت أن ما أيقظ ولدها اليوم هو أثار ما فعلته به في اليوم السابق
تقترب منه أكثر هذه المرة لكي تحتضن رأسه الصغير ,و تداعب شعرة البني بيدها و تقول:
- "أنا لا أريد إلا مصلحتك.. كي تكبر و تتعلم و تصير طبيبا أو مهندسا ليسعد بك والدك حينما يعود ,ولكي تعوضنا عما نحن فيه."
تكمل حديثها معه و قد احتضنت راحته الصغيرة بين راحتيها و تتحرك معه ببطء... "ولماذا لا تسافر مثلا وقتها إلي الخارج ,أو حتى علي الأقل إلي أي دولة من دول الخليج و ترسل لنا أنا و أبوك فنعيش هناك سويا؟"
كان حسام يتحرك معها في سلاسة ويسر وهو مطلق لخياله العنان يمتطيه.. فيرى نفسه و هو ينزل من سيارة فارهة ,و يحمل حقيبة رجل أعمال.. واضعا نفسه مكان البطل التلفزيوني الذي طالما شاهده في التلفاز في مسلسلات رمضان
يحلم أنه إذا أصبح مهندسا سيبني مدينة سكنية باسم أمه ,و أخري سيضع عليها اسم معلمة التاريخ ;فهي الوحيدة بين كل معلمي و معلمات المدرسة -بل كل العاملين في المدرسة- التي تعامله بحنان ,في حين لم يفلت مرة من أن يتذوق عقاب الآخرين بشتى الصور.. البدني و النفسي.
يفيق من أحلامه بعد أن غسلت له أمه وجهه بالماء طالبة منه أن يكمل خطواته استعداده المعتادة للذهاب إلي المدرسة ;لتدخل إلى المطبخ الصغير -و الذي لا يسمح إلا بتحرك شخص واحد بداخله- لتعد له وجبة الإفطار.. والتي لا تحوي سوي قليل من الجبن ,وقليل من البيض ,ورغيف خبز.. وتعد له نصف رغيف آخر لكي يتقوى به علي جوع يوم دراسي طويل: من الثامنة صباحا و حتى الثالثة ظهرا.
تخرج الأم حاملة الفطور صغير الحجم ,والذي يتناسب مع بساطة حياتهما..
فوفاء -أو أم حسام كما يناديها الجميع- لم تكن سوى سيدة في التاسعة و العشرين من عمرها ,تزوجت بنضال -أو أبو حسام كما يناديه الجميع وكما يحب أن ينادى- والذي يكبرها بخمس سنوات.
أبو حسام وأم حسام أولاد عم لعبا سويا حينما كانا صغيرين وتشاركا الأحلام.. و لما شبا تشاركا الحب
فنضال هذا الشاب اليافع لم يكن يختلف كثيرا عن أبناء وطنه ;فهو علي الرغم من شبابه كان يحمل هموم وطن لم يكتمل ولم يكتب له من الأزل أن يصير وطنا.. ولكنه تميز عنهم ;فلقد كان متفوقا في دراسته و أخلاقه و تفاؤله.. وكان يأتي كل يوم بحكاية جديدة لا يحكيها إلا لوفاء.. عن كيف صار يومه ,وكيف قام هو و الشباب بعمل بعض من الشراك هنا و هناك ,وكيف قتلوا جندي و أخذوا سلاح آخر.. وحكايات أخرى
ووفاء تسمع بشغف و يرقص قلبها طربا لبطلها الشاب
ولما تقدم أبو نضال ليطلب يد ابنة أخيه لإبنه لم يكن هناك ما يمنع ;فبساطة الحياة والتطلعات تجعل من أحلام نضال ووفاء في أن يكونا معا أمرا ممكنا
و تشاركا البيت مع حسام الذي لم يكن في ذاكرتهما وقتها حسام واحد ;فلقد حلما أن ينجبا من الأولاد عشرا.. ولكن إبعاد نضال بعد عام وشهر من الزواج لم يمكنهما من أن يحققا أيا من الأحلام
و لم يبق لهما سوى مكالمة تليفونية واحدة كلما سمحت الظروف.. تتحدث فيها دموعهم أكثر مما يتحدث اللسان.. وتتردد فيها نفس المفردات كل مرة.. غدا ,قريبا ,والحمد لله بخير

وفاء -التي تفصل بينها وبين نضال والأهل حدود داخل الوطن و حدود خارجها- لم يبق لها لتكسب قوتها سوى قليل من مال يرسله لها الأهل مع أحد منهم أو مع أي شخص يستطيع أن يخترق الحدود.. والقليل من الملابس التي تحيكها للجيران

حسام -الطفل ذو الثامنة من عمره- يحمل حقيبته المليئة بالكتب فوق ظهره لتزاحم حقيبة همومه التي لا يحملها فوق ظهره فقط ;بل في رأسه و قلبه أيضا.. حنينه لأب لم يحمل له في ذاكرته سوى تلك الصورة المعلقة علي الجدار في غرفته الصغيرة , كم تمني أن يكون له أب يخرج معه في العطلات.. ويشترى له الحلوى أثناء عودته من العمل.. ويصلي معه الجمعة في المسجد الكبير.. ويوم العيد يختلط تكبيره بتكبيره و هما يمشيان سويا يدا في يد إلي الساحة الكبرى

يتحرك حسام في اتجاه مدرسته عبر طريق وعر يمر بحطام منازل كانت تحمل يوما أحلاما و ضحكات أهل ماتوا تحت أنقاضها.. وآخرين أجبروا على تركها ليسكنوا الخيام
و يمر علي طريق مقطوع وأسلاك.. ويصعد تلة و ينزل أخرى حتى يصل إلى مدرسته التي تبعد ثلاثا من الكيلو مترات.. و يستغرق ساعة كاملة حتى يصل إليها
حقيقة كان معه الحق ;فيكفيه معاناة الطريق لتجعل طفل مثله يكره الذهاب إلى المدرسة.. فضلا عن أن حسام -الطفل العنيد- كثير الحركة برأسه الملأى بكافة الخطط الجهنمية.. فيصنع مقلبا في هذا أو يخدع مدرسه ذاك.. وبالطبع لم يكن حسام من الأطفال الذين يقومون بأداء واجباتهم المدرسية بسهولة حتى مع العقاب المتكرر, و كذلك لم تكن أمه تطلب منه أن يشترى لها شيئا من حاجياتها من السوق ;لأنها تعلم النتيجة مسبقا.. فإنه سيخرج نعم ,ولكنه لن يعود قبل ساعة ويداه خاليتا الوفاض من المال ,ومن الحاجات أيضا ;فقد ينفقها علي شراء الحلوى ,أو يخسرها في بعض مراهنات الصغار أثناء لعب الكرة ,أو تضيع منه في الطريق لتسكعه هنا و هناك.. فلربما كان حنان أمه البالغ في سنوات عمره الخمس الأولى ,وغياب الأب المسيطر هو ما جعل منه حسام

يصل حسام إلى مدرسته بعد رحلة عناء ليفاجأ بأمر غريب.. ففناء المدرسة خال من التلاميذ!
وتزيد ضربات قلبه الصغير
كيف تأخر؟! فلقد نزل اليوم مبكرا.. ولن يكون هناك مجال لعقاب أخر.. ولذا قرر أن يتحرك مسرعا محاولا أن يخترق الفناء دون أن يراه أستاذ محمود
و لكن ما إن يلمحه الأستاذ محمود حتى ينادي عليه: "حسام.. حسام.."
يحاول حسام أن يتصنع عدم السماع فيكمل طريقه مسرعا إلي الفصل ,ظنا منه أن هذه الحيلة ستفلح ,ولكن أستاذ محمود ينادى عليه: "حسام انتظر..فالدراسة معطلة اليوم."
لم يتوقف حسام إلا بعد أن كان تحرك خطوات ;فلم يكن متوقعا أن يسمع كلمة الدراسة معطلة
يتوقف للحظات و يدير وجهه شطر أستاذ محمود الذي أتي نحوه مسرعا ليكمل له: "حسام.. الدراسة اليوم معطلة بسبب تحذيرات العدو بقصف صباحي للمنطقة.. و من المحتمل أن يحدث اجتياح بري للجزء الغربي للمخيم.. ولذا عليك أن تعود مسرعا ولا تتسكع هنا أو هناك.. حسام هذه المرة اجتياح."
يقف الطفل مظهرا الاهتمام محركا رأسه لا إراديا من أعلي إلي أسفل بالإيجاب وهو يسمع هذا الكلام ,ومن داخله يصرخ فرحا.. لقد تعطلت الدراسة و لن يسألني أحد علي الواجبات.. و يالها من فرصة عظيمة لأتجول مع رفاقي في الطرقات ;لنرشق سيارات الصهاينة ببعض من الحجارة و نجري هنا وهناك.. ولن تغضب أمي ;فهي بالطبع لن تعلم متى خرجنا من المدرسة.. وحتى لو علمت فالعودة في هذى الظروف الخطرة قد تجعل تأخري شيئا منطقيا

و بعد أن أنهي أستاذ محمود كلماته.. اتخذ حسام طريقه مسرعا ولكن في الاتجاه الآخر نحو باب المدرسة و رأسه ملأى بالإثارة
يتحرك حسام عبر دروبه وطرقه الضيقة والتي يعرفها جميعا
وفجأة تبدأ أصوات الطائرات المروحية في الاقتراب ,ويسمع بعض أصوات الانفجارات تأتي من الناحية الغربية للمخيم.. فيزيد حسام من سرعته
و ما إن يصل إلى ناصية الشارع الرئيسي حتى يجد بعضا من النساء و الشيوخ يجرون في اتجاه واحد فيعرف أنه قد وصل إلى مبتغاه ,وأنه في الاتجاه المقابل لهذه الحركة سيكون المكان الذي يدخل منه جنود العدو بريا.. وقبل أن يتحرك سمع صوتا يعرفه جيدا يهمس له: "حسام.. حسام.."
فنظر حسام خلفه مسرعا قائلا: "خالد..هل ذهبت إلي المدرسة أيضا؟"
- "نعم.. ولقد رأيتك أثناء عودتك مسرعا ,ولكنني لم أستطع أن ألحق بك.. و لقد ناديتك كثيرا.." يلتقط الصغير بعضا من أنفاسه ليكمل.. "ولكنك لم تسمعني.. المهم.. ماذا سنفعل؟"
ينظر إليه حسام بنظرة ثقة وتعود: "مثل كل مرة.. سنناضل ونحارب العدو."
- "إذن فلنترك حقائبنا هنا ,ونذهب لنجمع بعض الذخيرة (الأحجار) حتى نستطيع أن نتحرك بسرعة وخفة.. و حينما تنتهي المعركة نعود لنأخذها قبل العودة إلى المنزل."

بدأ الصغيران في تنفيذ الخطة ,وانشغل كل منهما بجمع أكبر عدد ممكن من الأحجار.. وتحركا في اتجاه أصوات الطلقات.. وما إن اقتربا حتى وجدا بعض الصغار والشباب وقد سبقوهما إلى المكان.. وعلي مرمى البصر بعض إطارات السيارات وقد أضرمت فيها النيران ووضعت في منتصف الطريق.. ومن خلف هذا الدخان القاتم تقف بعض سيارات (الجيب) الخضراء مفتوحة الأبواب حيث يحتمي جنود الصهاينة وهم يطلقون النيران
يحني حسام و خالد رأسيهما و يتحركان بسرعة خلف بعض البراميل المعدنية علي جانب الطريق ,والتي يختبئ خلفها بعض من الصغار.. وبمجرد أن تتوقف طلقات الرصاص ;إما لإعادة ملء خزائن البنادق أو للتقدم للإمام.. يتحرك الطفلان عرضيا إلي منتصف الطريق ليناضل كل منهما بحجره..ومن غير بعيد يأتي بعض الشباب الملثمين ,وبيدهم بعض الرشاشات الخفيفة.. وما إن لمح أحدهم الطفلين حتى جري نحوهما صارخا: "عودا يا شباب.. ستكون هنا معركة حقيقية ,وسيلحق بنا بعض من شباب المخيم.. لذا عليكم أن تعودوا ;فهذه المرة المواجهة مختلفة.."
ينقطع الصوت و ينقطع صوت كل شيء ,ولا يبقي سوى عيني حسام ليرى الدنيا بهما وكأنها تدور.. ويرى أفواها مفتوحة ,ولكنه لا يسمع صوتا.. وبعد دقائق يسمع صراخا ,ويجد نفسه -وبجواره خالد- وقد وضعهم أحد الشباب في زقاق جانبي.. ولا يسمع إلا كلماته المكررة "عودا فورا"
وتعبر من أمام عينيهما دبابات ,وبعضا من سيارات الجيب
ثم يعود الشاب الملثم لمخاطبة حسام وخالد: "هل تعرفان طريقا خلفيا لمنزليكما؟"
فيجيبا سويا بإيماءات من فرط ما هم فيه من خوف ;فلم يسبق أن كان الموت قريبا منهما كما هو في هذه اللحظات
ينهض حسام بصعوبة بالغة بعد أن تخشبت قدماه ,و يمسك بيد خالد ويتحركان في ذعر ;فبالفعل لقد كان اجتياح.. دبابات ,وآليات ,وعدد من الجنود أكبر من سابق العمليات التي يقوم بها العدو باستمرار لإبعاد أو اعتقال أو حتى اغتيال
يجري حسام جارا وراءه خالد الذي كان لايزال متخشبا من فرط الذهول.. تدوي من خلفهم أصوات انفجارات وطلقات متقطعة تأتي من عدة مفارق.. يجري حسام وهو يسمع أصوات صرخات من أماكن شتى.. ثم يقوم بتوصيل خالد إلي أقرب شارع لبيته ,ويقف للحظات.. يتذكر حقيبته ,وكتبه ,وكيف سيعود بدونهما إلى أمه.. أمه التي اجتهدت وتعبت حتى تدفع له مصاريف الكتب والكراسات ولتشتري له هذه الحقيبة
يتردد.. يفكر في أن يعود ليأتي بها.. بل ويتحرك خطوات في طريق العودة.. ولكن أصوات الطلقات لازالت تدوي
وبلا تفكير.. إنها الحياة
يعود مسرعا في تلقائية إلي طريقه للمنزل.. يتحرك بين الدروب وبين البيوت بسرعة ;فلقد كان يعرف جميع الطرقات ويحفظها عن ظهر قلب
و في الطريق يسمع أصوات الطلقات ,وقد بدأت تقل الهوينى ,ولم تعد متواصلة كما كانت ,وحل محلها أصوات سيارات إسعاف تنطلق في الشوارع مسرعة
يقترب من محيط منزله.. ولكن هناك شيء غريب ;فالمنطقة تبدو وكأنها ليست هي.. لقد تعرضت للقصف
فهذا منزل عائلة صديقه أحمد وقد تهدمت أجزاء منه ,وها هي أم أحمد وأولادها يبحثون في الحطام..
لقد تغيرت الصورة التي تركها في الصباح.. يتحول عن الجري ليمشي بخطوات مسرعة.. ينظر إلى اليمين.. إنها أم حبيبة.. و ما هذا؟! إنها حبيبة الطفلة ذات الخمس شهور وأمها تقلبها بين يديها وتناديها في صوت مكلوم: "حبيبة..حبيبة ..."يعلو صوت أم حبيبة
تضم حبيبة إلى صدرها.. تحاول أن تحركها.. تقرب منها وجه ابنتها النائم في سكينة وتحاول أن تهب لها من أنفاسها حياة أخرى.. ولكن حبيبة لا تزال نائمة في راحة ما بعدها راحة.. في حين أن نيران الألم تنهش من قلب الأم المكلومة.. تبوء كل المحاولات بالفشل
ترفع أم حبيبة يديها إلى السماء وتصرخ: "يا رب.. يا رب.. لك يا رب.. أنت وهبت.. وأنت أخذت
ودموع أم حبيبة في عين حسام تجري منها أنهار.. وحسام لا يعرف ماذا هناك؟
لا زال يمشي.. تحركه قدمه التي تعرف الطريق وهو في ذهول.. ينظر يمينا و يسارا.. حطام مباني وحطام الأحلام.. وشباب ينادي: "تعالوا هنا تحت الأنقاض أحياء."
يصل حسام إلي بيته ,ولكنه لم يلحظ التغير في الدور الثاني.. يصعد درجات السلم مسرعا.. يجد الباب مفتوحا.. لم يدرك أيضا هذا التغير.. كان هناك بعض الغبار العالق في الجو
ينادي بصوت خائف : "أمي..أمي.."
لم يسمع شيئا.. ينادي بصوت أعلى وتلهث أنفاسه: "أمي..أمي.."
يبحث عنها في المطبخ.. يتحرك نحو غرفتها.. يعود إلي الردهة
يتخيل أنها قد تركت البيت وأنها تخلت عنه.. وأنه أصبح وحيدا
ينادي بصوت خنقته العبرات: "أمي.. أين أنت؟"
يتحرك ببطء نحو غرفته
الغرفة مضاءة بشكل ملحوظ إثر فوهة في الحائط.. و لايزال الغبار عالقا في المكان
ينظر تحت قدميه.. يتوقف كل شيء.. تتحجر قدماه وتتوقف أنفاسه
إنها تحت قدميه.. ينظر إلي عينيها.. يراها تنظر إليه.. يتحرك ببطء نحو رأسها.. يجثو علي ركبتيه.. لا يشعر بما أصابهما من بلل من الدماء.. يحمل رأسها فوق فخديه وينادي: "أمي.. أمي.. استيقظي فلقد عدت يا أمي.."
يقولها وقد ملأت عينيه الدموع
"أمي لا تتصنعي النوم كما أفعل معك كل صباح."
تتساقط عبراته علي وجهها..فيسرع بيده ليمسحها
أمي.. لا تغضبي مني ;فسأذهب لأعود بحقيبتي."
يعلو صوته ونحيبه تدريجيا
"أمي.. سأذهب إلى المدرسة كل صباح دون معاناة."
و تتسارع الكلمات "وحاجيات السوق سأقضيها.. سأقضيها كلها.. ولن أضيع النقود.. جربيني فقط يا أمي.."
لا يشعر بالخطوات المسرعة علي السلم ,ولا بصوت سيارة الإسعاف التي أتت تحت المنزل
يدخل أحدهم.. يتحرك نحو أمه في سرعة.. ينظر إليه حسام نظرة الملهوف
يحاول هذا الشاب أن يفعل شيئا.. ويلحق به أخر فيسأله: "الحالة....؟"
يقوم الأول ليأخذ الثاني في جانب الحجرة.. ولازالت عينا حسام علي الأول الذي لم يفعل سوى أن حرك رأسه أن لا

يتجه الأول نحو حسام في عطف.. وحسام لا يدري ماذا هناك؟
يحاول أن يحمل حسام.. وحسام يتشبث بالأرض.. وبأمه ,ويصرخ : "أمي.. أرجوك يا أمي.. لن أعصيك بعد الآن..أمي....."

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

على الرغم من أن هذا النوع من القصص لا يستهويني.. إلا أن قصتك جميلة حقا
ونهايتها مؤثرة
وهذه ليست مجاملة